
ورزازات | بقلم : كمال كباري | في سابقة صادمة هزّت الرأي العام الوطني، طفت إلى السطح قضية اغتصاب طفل مستفيد داخل أحد المخيمات الصيفية بأزرو على يد مؤطرين- (تربويين)- المفترض فيهما حماية الطفولة ورعايتها. هذه الواقعة المؤلمة تطرح أسئلة عميقة عن جدلية الثقة والخيانة، وعن حدود المسؤولية الأخلاقية والتربوية والقانونية في فضاءات يُفترض أن تكون مدارس للحياة وقلاعاً للأمن النفسي والاجتماعي للأطفال.
البعد التربوي: حين تُغتال القيم في عقر المخيم.
المخيمات التربوية ليست مجرد فضاءات للترفيه، وإنما هي امتداد للعملية التعليمية والتنشئة الاجتماعية، إذ تزرع في الأطفال قيم المواطنة، التضامن، الحرية المنضبطة، والمسؤولية، غير أن حادثة أزرو تكشف هشاشة البنية التربوية حين يُختزل دور بعض المؤطرين في مجرد حضور شكلي يفتقر إلى التكوين القيمي والأخلاقي.
هذا الحدث العارض لا يمكن تعميمه على آلاف الأطر النزيهة التي تشتغل في الحقل التخييمي بإخلاص، لكنه ينبهنا إلى ضرورة إعادة النظر في آليات الانتقاء والتأهيل، وربط العمل التربوي بمنظومة صارمة من المراقبة والوعي والالتزام.
البعد القانوني: الحق في الحماية قبل الحق في الترفيه.
قانونياً، يُعتبر ما حدث جريمة مكتملة الأركان تدخل في خانة الاعتداء الجنسي على قاصر، وهي جريمة مشددة العقوبة في التشريع المغربي. فالقانون الجنائي ينص على حماية الأطفال من أي استغلال أو عنف، ويُحمل الدولة والمؤسسات المنظمة للمخيمات مسؤولية مباشرة في ضمان بيئة آمنة.
إن هذا الملف يفرض تسريع مسطرة المحاسبة القضائية، وتكريس مبدأ عدم الإفلات من العقاب، حتى يظل القضاء حامياً للحقوق ورادعاً لكل انحراف يطال الطفولة.
البعد الفلسفي: انهيار الثقة وأزمة القيم.
فلسفياً، تضعنا الحادثة أمام مأزق أخلاقي خطير: كيف يمكن لطفل أن يستعيد ثقته في الكبار بعدما خانه من كان يفترض فيه الحماية؟ هنا يظهر جوهر التربية كفعل قيمي قبل أن يكون تقنية أو نشاطاً. فالتربية – كما يرى الفيلسوف كانط – هي “إخراج الإنسان من حالة الحيوانية إلى حالة الإنسانية”، وإذا انقلب المؤطر إلى جلاد، فإننا نكون أمام نكوص قيمي يهدد الأسس الإنسانية للمجتمع.
إن ما جرى ليس مجرد جريمة فردية، بل هو جرس إنذار فلسفي يدعونا إلى إعادة التفكير في معنى الرعاية، وفي حدود الحرية والمسؤولية، وفي الحاجة الملحة لإرساء ثقافة وقائية تجعل من المخيم مدرسة للثقة لا فضاء للخوف.
نحو قراءة متوازنة
لا بد من التأكيد أن حادثة أزرو، رغم فداحتها، لا تختزل صورة المخيمات المغربية التي تشكل فضاءات حقيقية للنمو والتربية والفرح. آلاف الأطر والفاعلين يكرسون حياتهم لخدمة الطفولة بصدق، ولا يجب أن تُلطخ سمعتهم بفعل شاذ ومعزول. لكن في المقابل، فإن الواقعة تفرض علينا جميعاً – دولة، مجتمعاً مدنياً، أسر، ومؤطرين – وقفة صريحة لمراجعة المسارات، وإعادة الاعتبار للقيم، وضمان حماية الطفولة باعتبارها أقدس مسؤولية جماعية.